غربة الفصحى بين أبنائها
من المعلوم أن غربة اللغة من غربة الدين .
والمتأمل لحال الدين الإسلامي اليوم في كثير من البلدان العربية الإسلامية يجده غريباً محارباً وفي حالة يرثي لها كما أخبر بذلك رسول الله (ص) حين قال:> لقد بدأ هذا الدين غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء<
صدق رسول الله، وكما قال الشاعر: أني اتجهت إلى الإسلام في بلد :. تجده كالطير مقصوصاً جناحاه. ومما لاشك فيه أن اللغة العربية مرتبطة بالدين الإسلامي ارتباطا وثيقا قوة وضعفا وأعداء الإسلام هم أنفسهم أعداء اللغة العربية اللذين يعملون على تغريب الدين وتغريب اللغة وتوسيع الفجوة بين الأمة ودينها ولغتها وتاريخها. وهؤلاء الأعداء كثيرون ومتنوعون فمنهم العدو الخارجي والعدو الداخلي والعدو المباشر والعدو غير المباشر.
ومما يحز في النفس أننا نجد الكثير من أبناء هذه الأمة يضرون لغتهم العربية أشد الضرر بعضهم بقصد وبعضهم بغير قصد وهم يعدون من أعداء الفصحى الغير مباشرين وسنركز حديثنا حول صنفين منهم من باب التنبيه فقد نكون منهم ونحن لا نشعر.
*الصنف الأول: هم أبناؤنا الطلاب الراغبون في دراسة اللغات الانجليزية أو الغربية أو غيرها وليس في هذا عيب
أو ضرر بل هو مطلوب نشجع عليه طالما أنه لا يضر بلغتهم اللغة العربية الأم…….
لكن المصيبة أن بعض هؤلاء الطلاب يهملون لغتهم الأصلية ويحتقرونها ولا يعطونها أدنى جهد أو اهتمام بل يهاجمونها ويتنكرون لها.
وقد سمعنا كثيرا من هؤلاء الطلاب عندما ننصحهم بالاهتمام بلغتهم العربية والاجتهاد فيها يقول أحدهم: أنا دخلت قسم اللغة الانجليزية لأني هربت من اللغة العربية ولا أحبها وهكذا ، ويقول الآخر: يا أستاذ اللغة العربية ليست مستقبلي ولن أحتاجها في المستقبل . والمصيبة العظمى أن بعض أولياء أمورهم من الأباء والأمهات يشجعونهم على ذلك فتجدهم يتحدثون مع أبنائهم في البيت الصغار والكبار باللغة الإنجليزية أو غيرها أو يأمرون أبناءهم بالتحدث بها مع زملائهم وإخوانهم وأخواتهم أثناء اللعب داخل البيت وخارجها ويغرسون في نفوس أبنائهم حب هذه اللغات منذ الطفولة ويحرص هؤلاء الأباء والأمهات على تحصيل أبنائهم أعلى الدرجات والشهادات في هذه اللغات ويتابعون مستوياتهم فيها ويمنحونهم المكافأت إن أبدعوا فيها . بينما لا يهتمون بتشجيع أبنائهم على تعلم اللغة العربية ولا يبالون بأن أبناءهم لا يفرقون بين الفاعل والمفعول والجار والمجرور في اللغة العربية. وربما بعضهم ينفق آلاف الدولارات على تعليم أبنائه اللغة الأجنبية في المدارس والمعاهد الخاصة بينما يبخل عن إعطاء أبنائه دورة أو دورتين للتقوية في النحو أو الصرف أو البلاغة أو الخط والإملاء رغم قلة تكاليفها.
* الصنف الثاني: هم جماعة المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي ( الواتس ، والفيس وغيرها ) حيث نجد معظمهم يكتبون رسائلهم وتغريداتهم باللهجات العامية والشعبية مع قدرتهم على الكتابة ولو بالفصحى السهلة وهي فرصة لتنمية مهاراتهم بالكتابة بالفصحى . وبالرغم من أني أتحدث غالبا باللهجة العامية التعزية وأحاول جاهداً أن أتحدث بالفصحى السهلة إلا أني عند الكتابة لا أستطيع الكتابة إلا بالفصحى العربية السهلة ومنها ما كتبته في هذا المقال وأستحي أن أكتب بالعامية ولوحتي رسالة إس إم إس sms .
* وأخيرا : ألتمس ممن لا يريدون التحدث أو الكتابة بالفصحى أو لا يستطيعون ذلك. ألتمس منهم أن يحبوا اللغة العربية وأن يعتزوا بها وأن يغرسوا حبها والاعتزاز بها في نفوس أبنائهم وأن لا يكونوا من أعدائها بقصد أو بغير قصد.
فهي لغة ديننا وقرآننا وسنة نبينا فقد كان رسول الله (ص) يحب اللغة العربية ويحب من يتحدث بالفصحى.
وإلى الملتقى……
أ/ توفيق النبهاني
مدرس اللغة العربية بالقسم الانجليزي