الثواب والعقاب في المدارس
بقلم الدكتور: عبد الغني محمد العمراني
مشرف عام رياض ومدارس النهضة الحديثة
مقدمــــة:
كثيراً ما يلجأ بعض التربويين في تربية الطلاب إلى العقاب سواء منه المعنوي أو البدني، وكثيرا ما يتبادر إلى أذهان المعلمين أن المقصود بالعقاب هو العقاب البدني ( الضرب ) .
إن باستطاعة المربي الماهر أن ينتفع بالترغيب والتشويق في التخلص من كثير من النقائص والسلوكيات غير المرغوبة ، وفي بث الفضيلة في نفوس الطلاب ، والتقدم بهم في التحصيل الدراسي ، بطريق العادة والمران ، مع الرغبة لا الرهبة ، والترغيب والتشويق ، لا التخويف والإرهاب .
ومن الممكن الانتفاع بميول الأطفال ورغباتهم، وتوجيهها إلى الطريق الصالح من غير التجاء إلى ضغط وإرهاب ؛ فإنّ المعلومات التي يصل إليها الإنسان بطريق الإكراه والإرهاب لا تستمر في العقل طويلاً ،وإن التربية الخلقية لا تكون بالعقاب والرهبة ، ولكنها تكون بالتفاهم والتمرن على الأمور الحسنة ، حتى تصبح عادة لدى الأطفال ( محمد عطية الإبراشي ، ، 354).
إذا لماذا لا يستخدم المعلمون الثواب ، ألم يعلموا أن الطالب إنما هو أصلاً أخ صغير لهم في الله، وطالب العلم في كل مرحلة من مراحل التعليم أكثر الناس حاجة لكلمة طيبة من معلمه أو بسمة حانية في وجهه .
والنبي المعلم الهادي البشير ( يلقى أصحابه (تلاميذه) فيبتسم لهم ، ويحسن لقاءهم ، وكان يلاطف الأولاد ويرحمهم ويمازحهم .
ولقد أمرنا الرسول ( بالرفق إذ روى البخاري في الأدب المفرد قول الرسول:( عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش ) وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري أن النبي ( بعثه ومعاذاً إلى اليمن وقال لهما ( يسّرا ولا تعسرا وعلما ولا تنفرا).
الثواب والعقاب في التربية الإسلامية:
تعريف الترغيب : ” وعد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو لذة أو متعة آجلة، مؤكدة، خيرة، خالصة من الشوائب، مقابل القيام بعمل صالح أو الامتناع عن لذة ضارة أو عمل سيئ ابتغاء مرضاة الله ، وذلك رحمة من الله لعباده “.
تعريف الترهيب ” وعيد وتهديد بعقوبة تترتب على اقتراف إثم أو ذنب مما نهى الله عنه، أو على التهاون في أداء فريضة مما أمر الله به، أو تهديد من الله يقصد به تخويف عباده، وإظهار صفة من صفات الجبروت والعظمة الإلهية ، ليكونوا دائماً على حذر من ارتكاب الهفوات والمعاصي “.
معنى الثواب والعقاب في عملية التعلم :
تعريف الثواب ” أثر يتبع الأداء أو الاستجابات ويؤدي إلى الشعور بالرضا أو الارتياح ، في سعي المتعلم للحصول على هذا المثير أو الاحتفاظ به ”
تعريف العقاب ” أثر يتبع الأداء أو الاستجابة ، ويؤدي إلى الشعور بعدم الرضاء والتوتر الذي يتمثل في سعي المتعلم لتجنب هذا المثير والابتعاد عنه”
تصنيف الثواب والعقاب:
المكافأة أو المثوبة التي تتخذ طابعاً مادياً خارجياً صريحاً :
وتتمثل في تقديم شيء ملموس عياني يسمى المكافأة ، أو المعزز الموجب ، والتي تُشبع لدى المتعلم دافعاً من نوع ما ، ومن ذلك المكافأة والجوائز المالية والمادية بصفة عامة
النجاح الفعلي :
ويتمثل ذلك في معرفة المتعلم بالنتائج الإيجابية لأدائه والتي تظهر في نجاحه أو تحقيق الأهداف التعليمية بالنسبة إليه ومستوى هذا النجاح .
التلميح بالنجاح :
ويتمثل ذلك في إشعار المتعلم بأن أداءه يتقدم ، وأنه إذا استمر في اتجاه النجاح فإنه سوف يحرز النجاح الفعلي .
التعبير الصريح عن الموافقة :
حين يكون سلوك المتعلم من النوع الذي يتوقعه المعلم فإنه قد يظهر الموافقة أو التقبل ويؤدي هذا بالطفل إلى الشعور بالثقة .
إزالة الاستثارة المنفردة :
ومن ذلك أن يشعر الطالب من خلال تعليقات المعلم أن أخطاءه تتناقص أو تزول جزئياً أو كلياً ، مما يجعله يحس بالرضا أو الارتياح .
التغذية الراجعة أو المدعمة :
وذلك بأن يعلم الطفل أن استجابته صحيحة ، ومن هذه المعلومات قد يحصل على قدر من الرضا من تدعيم هذه الاستجابة الصحيحة ، إلاّ أن الرضا في هذه الحالة قد لا تكون له نفس قوة ما يحصل عليه من تعليق المعلم على ما يفعل ( المكافأة ) .
ملاحظة المتعلم ما يوجه للآخرين من مدح أو مكافأة ، دون أن يتلقى هو ذلك .
التجاهل أو الإهمال:
وفيه لا يتلقى الطفل أي لوم أو مدح ، ولا يلاحظ ما يوجه للآخرين من ثواب أو عقاب ، كما لا يعلم أداءه ولا تقدم له أية معلومات ( تغذية راجعة ) عنه . وتمثل هذه الفئة نقطة التوسط .
ملاحظة المتعلم ما يوجه للآخرين من لوم أو ذم أو عقاب دون أن يتلقى هو ذلك
التغذية الراجعة التصحيحية :
أن يعلم الطفل أنّ استجابته خاطئة ، وبالطبع تؤدي هذه المعلومات إلى الشعور بالتوتر ، وبالتالي إلى الشعور بالحاجة إلى تجنب هذه الاستجابة قدر الإمكان ، ولذلك تعد التغذية الراجعة التصحيحية نوعاً ضعيفاً من الاستثارة المنفرة .
إزالة المكافأة المنتظمة :
ومن ذلك أن الطفل بعد أن يتعرض لخبرات متتابعة من المكافأة قد يظهر الإهمال أو يقع في الأخطاء ، مما لا يؤدي به إلى الحصول على تقبل المعلم ، أو تعليقه الإيجابي على استجاباته ( المكافأة ) .
التعبير الصريح عن عدم الموافقة :
فحين يكون سلوك الطفل من النوع الذي لا يتوقعه الوالد أو المعلم على نحو لا يرجع إلى محض المصادفة ، فإنه قد يظهر الرفض أو الاعتراض أو عدم الموافقة ، كأن يقول له ” إنك تستطيع أن تؤدي أفضل مما فعلت ” وقد يؤدي ذلك بالطفل إلى الشعور بالخزي ، وخاصة عند أولئك الذين لديهم دافع انتمائي قوي .
التلميح بالفشل :
فإذا كان الطفل ، عن إهمال إرادي ، يستمر في الأداء المنخفض ، فإن الأمر قد يصل إلى الحد الذي يخبره فيه المعلم بأن عمله قد يؤدي إلى الفشل ، وهنا قد نجد أن توقع الفشل يؤدي بالطفل إلى الشعور بالخوف منه ، مما يجعله يبذل مزيداً من الجهد.
الفشل الفعلي:
إذا استمر الطفل في الأداء الضعيف أو السيئ ، فإن المعلم قد يضطر إلى أن يطلب منه تكرار العمل أو يحكم عليه بالفشل ، وهنا تحدث للطفل خبرة الفشل الحقيقية .
العقوبة أو الجزاء :
من المعلوم أن معظم المدارس التربوية الحديثة تعترض على العقاب البدني ، ومن ذلك فإن الطفل قد يلقى هذه المعاملة إذا خرق قواعد النظام ، أو تحدى القوانين الأخلاقية ، فقد يضرب لعدم الصلاة مثلاً ، كما يقول الرسول ( ( واضربوهم عليها لعشر ) .
إلاّ أن العقوبة قد تشمل الذم أو التوبيخ أو التأنيب أو اللوم أو النقد أو الاستهجان أو التقريع أو التعنيف .
أثر الثواب في التعلم :
الثواب يجعل الطفل يشعر بالرضا أو اللذة أو السرور ، ثم أنه يؤدي إلى تقوية المحددات الدافعية التي تعمل على تنشيط السلوك وتوجيهه . وذلك بمدى طويل .
وقد أكدت تجارب كثيرة فعالية الثواب في التربية ، إلاً أنه لا ينبغي المبالغة في استخدامه وخاصة حين يكون الثواب على هيئة مكافآت خارجية مادية صريحة .
أثر العقاب في التعلم:
هناك آثار سيئة للعقاب يمكن تلخيصها فيما يلي :
يؤدي العقاب إلى كبت السلوك المعاقب أو قمعه ، وليس إلى محوه.
نتائج العقاب تستعصي على التنبؤ ، فإذا كان الثواب يقول للطفل ” كرر ما فعلت ” فإن العقاب يقول له : توقف عما تفعل ، ويفشل في أن يحدد للطفل ما يفعله .
بانتهاء الحالة الانفعالية المرتبطة بالعقاب ، قد تظهر الاستجابات التي عوقبت من قبل بنفس قوتها السابقة مالم تحل محلها استجابات جديدة تتم إثابتها .
قد تكون النتائج الجانبية للعقاب سيئة للغاية فمن المعتاد أن يؤدي العقاب إلى كراهية مصدر العقاب وكراهية العمل الذي يؤدي إلى العقاب .
قد يترتب على الاستخدام المستمر للعقاب عدد من الأخطاء ، فالمعلم الذي يعتمد على العقاب قد يكون مضطرباً انفعالياً ، وقد يعبر عن عدوان مكبوت لديه بعقاب طفل أو شخص لا حيلة له ، وبالطبع قد يصدر على الطفل سلوك يستثير غضب الكبار ، ولكن خطر وجود الظلم الناجم عن العقاب قائم ، والأطفال لديهم حساسية شديدة ضد الظلم.
أنواع العقاب:
يمكن تقسيم العقاب إلى نوعين : مادي ومعنويِّ . ويشمل العقاب المادي ، الإيذاء الجسماني المؤلم من ضرب أو صفع أو شد للشعر أو الهز بشدة أو الوقوف لمدة طويلة ، أو الحجز أو الغرامة أو الحرمان من الامتيازات والمكافآت المادية ، أما العقاب المعنوي فيشمل ، اللوم والتأنيب ، والزجر والسخرية ،
العقاب البدني:
( إن كلا من الثواب والعقاب يؤديان إلى إحداث التعديل المرغوب في السلوك ، لكن الثواب أبقى أثراً حين أن العقاب مرهون بوجود مثير الخوف . فإذا مازال هذا المثير عاد السلوك إلى سيرته الأولى .
وخلاصة ما سبق عن الثواب والعقاب في المدرسة يمكن إيجازها فيما يأتي :
يعتبر العقاب في التربية الحديثة ضرورة مؤسفة وليس لها الأثر الفعال في تعديل السلوك أو حفظ النظام .
الثواب أكثر فعالية من العقاب في تعديل السلوك أو حفظ النظام ، كما انه أبقى وأكثر أثراً في مجال التربية .
دراسة وتحليل أسباب العقاب واتخاذ المواقف التربوية السليمة والمناسبة إزاءها ، أفضل بكثير من إنزال العقاب .
القدوة الحسنة أساس هام لحفظ النظام ، وتعديل السلوك نحو الأفضل .
تجنب إنزال العقوبة في حالة التوتر والغضب .
العقاب البدني احتقار للشخصية الإنسانية يجب الابتعاد عنه .
يجب أن يستهدف العقاب الإصلاح والتقويم لا القصاص والانتقام .
ترفض معظم النظم التعليمية والتربوية المعاصرة أسلوب العقاب البدني ، وتدعوا إلى فهم الأطفال والأولاد نفسياً ، ثم التعامل معهم على أساس تربوي سليم ، نهجه الطرق العلمية القويمة في معالجة المشكلات وسوء السلوك .
الثواب والعقاب في التأريخ الإسلامي :
” فلا يتشدد على الصبيان في العقوبة ، ولا يخرجه استحقاقهم للعقاب من حسن رفقه بهم ولا من رحمته إياهم ، فإنما هو عوض لهم من آبائهم ، فكونه عبوساً أبداً ، من الفضاضة الممقوتة .
والغرض من هذا الرفق هو حسن سياسة الصبيان ورياضتهم حتى يصل المعلم بهم مع الزمن إلى طريق الخير ، وكلما أخطأ الصبي منتهكاً الطريق السوي راضه المعلم مبيناً له السبيل التي ينبغي سلوكها ، وأول سبل الرياضة الإفهام والتنبيه ، وهذه السياسة القائمة على الرفق في المعاملة .. من شأنها أن تجعل الصبي يكبر على العمل الصالح من تلقاء نفسه دون حاجة إلى عصا تسوقه .
فإذا ارتكب الصبي الخطأ وفعل المنهي عنه مما يوجب العقاب عالجت التربية الإسلامية ذلك بخطوات هي:
التغافل عن ذلك الخطأ .
التأنيب واللوم سراً .
عقوبة الضرب : حين يستنفد وسائل التأديب الأخرى (حسن عبد العال ، 1978، 120-122).
رأي ابن خلدون في الشدة على المتعلمين :
أفرد ابن خلدون فصلا عن الشدة على المتعلمين وأنها مضرة بهم ، أكد فيه أنَّ إرهاق الجسد في التعليم يضر بالمتعلم سيما في أصاغر الوُلد ، لأن من كان مرْباه بالعسف والقهر من المتعلمين ذهب نشاط نفسه ، ودعاه ذلك إلى الكسل ، وحمله على الكذب ، والتظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وربما صارت له هذه عادة وخلقاً فتفسد معاني الإنسانية عنده وتكسل نفسه عن اكتساب الفضائل خوفا من القهر والشدة ، فإذا رفع القهر عنه يوماً بَعُدَ عن الفضائل وربما سلك طريق الرذيلة (عبد الرحمن محمد بن خلدون ، 1996، 496)
معلم اليوم وموقفه من عملية الضرب:
إن المدرسة قد أنشئت للطفل ، ولم يخلق الطفل للمدرسة ، لذا فإن الطالب في التربية الحديثة يعتبر محور العملية التربوية ؛ وبالتالي كان لابد أن يتغير إعداد المعلم وتأهيله بما يتناسب مع التطور الجديد للتربية ، فلم يعد المعلم جلادا ، ولم يعد مصدر خوف للطفل ، بل أصبح مصدر إيناس للطالب .
إنَّ معلم اليوم يختلف عن المعلم بالأمس ، معلم اليوم يعتقد أن مهنة التدريس تعتبر فناً قبل أن تكون علماً ، إنه ُملمٌ بالطرق الحديثة في التدريس مراعيٌ ميول الأطفال ولديه المقدرة الكافية على إدارة الصف ، أنه يقدِرّ طلابه ويعتقد أن التهذيب خيرٌ من العقاب .
إن الغرض من الإدارة المدرسية بما فيها إدارة الصف من قبل المعلم، والإشراف المدرسي ، منع كل شيء يؤدي إلى اضطراب المناخ الدراسي وسوء النظام ، ومخالفة الأوامر وسوء السلوك وإضاعة الوقت فيما لا يفيد .
إن خير نظام مدرسي ذلك النظام الذي يعطى فيه الطالب الحرية فيحسن استعمالها ، ويقوم بالواجب ويطيع المدرس بوازع من نفسه ويتجنب الفوضى ، ويتمسك بالفضيلة ، ويفكر فيها من حيث هي، ويعمل للوصول إلى المثل الأعلى بغير نظر إلى ثواب أو عقاب ، ولا يستطيع المتعلم أن يبلغ هذه الدرجة إلاّ إذا اعتاد أن يضبط شعوره ونفسه ، ورِّبىَ تربيةً حقةً في جو مملوء بحرية منظمة.
الحق أنه ينبغي ألا تكون هناك قسوة بأي شكل من الأشكال في تعليم الطلاب، وبخاصة الأطفال منهم . وبدلا من حملهم على كرهنا الكراهية كلها بقسوتنا ، فيرتعدون عند دخولنا الفصل ، ويتمنون غيابنا ، يجب أن لا نستعمل القسوة بحيث يترقبون مجيئنا بلهفة ومحبة ، ويشعرون بالسرور حينما يروننا، أما القسوة رغبة فيها فذنب لا يغتفر . وما الداعي لتلك القسوة ؟ قد ندافع بأن الداعي أو الباعث هو منفعة الطالب، ولا يقصد المدرس أن يكون قاسيا ، فهو إن آلم الطالب فذلك لأنه يحب إفادته وقيامه بواجبه .
وردا على ذلك نقول إنه لا فائدة للطالب من تلك القسوة التي تضره عقليا وخلقيا وبدنيا .وفي استطاعة المدرس أو المشرف أن يرشد الطالب من غير أن يتبع وسائل القسوة .
حقا إن بعض المدرسين يعمدون إلى القسوة لأنهم يميلون إليها ، ولا يمكن أن ننتظر إصلاح الطفل بتلك القسوة ؛ لأنها طريق غير طبيعي ، فيجب على المدرس ألا يستعمل القسوة مطلقا مع الطلاب . وقد يكره الطالب المدرسة ومن فيها وما فيها ؛ لما يراه من العقاب البدني .
إن الطفل إنسان صغير يشعر ويحس ، فيجب أن يعامل معاملة الإنسان بكل شفقة وعطف . وبدلا من أن نجعل المدرسة جحيما في نظره يجب أن نرغبه فيها ؛ حتى يولع بالذهاب إليها ويغرم بها ويحبها .
وحيث أن القسوة ضارة تستاء منها النفوس الاستياء كله ، فأنجع علاج هو الإقلاع عنها ، فإن الظلم في الماضي قد يبقى ، ويترك أثرا في نفس المظلوم طول حياته . ولا شيء يؤلم الإنسان أكثر من الشعور بالظلم .
وقد جاء في آي الذكر الحكيم ( إن الله يأمر العدل والإحسان ) و ورد في الحديث القدسي ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا .. من الحديث الذي رواه مسلم ) وفي الحديث ( إن المقسطين على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلوا – رواه مسلم ).
وليس معنى السلطة المدرسية القسوة أو الظلم الشخصي ، فالحزم في معاملة التلاميذ خير الوسائل للمحافظة على النظام .
لماذا ينكر التربويون عملية الضرب في التربية المدرسية ؟
هناك شبه إجماع لدى علماء التربية الحديثة على منع العقاب البدني في التربية المدرسية الحديثة ، ومن المبررات والحجج التي تؤيد إنكارهم للضرب ، ما يأتي :
إن السماح للمعلم بالضرب . يجعله يلجأ لهذه الوسيلة دون غيرها . ويقتصر عليها كوسيلة وحيدة لضبط التلاميذ ، وذلك لسهولتها بالنسبة لغيرها .
إن الضرب يحطم شخصية الطفل ويجرح كرامته ، خاصة إذا كان الضرب على مرأى من زملائه ، وهو في كثير من الحالات يعوِّد الطفل على الذل والاستكانة ، ويفقده ثقته بنفسه واعتداده بذاته.
أن الطفل طفل ، فلا يجوز أن ننظر إليه على أنه رجل صغير ، وعلى هذا الأساس فلا يجوز لنا أن نعامله كما نعامل الكبار والراشدين .
أن نتيجة الضرب سرعان ما تزول وينساها الطفل بمجرد زوال الألم الجسدي الناتج عن الضرب ، بعكس التأنيب بالكلام والتوبيخ برفق ولباقة ، فإن ذلك مما يبقى في أعماق النفس مدى الحياة .
يجد الضرب مرتعا خصبا ومجالا طيبا عند المعلمين الذين لديهم استعدادات للسيطرة ، واتجاهات في القسوة والعنف ، فيتطرفون في استعماله ، فيصبح في النتيجة وسيلة سهلة يتلذذون باستعمالها ، لأنها تشبع ما لديهم من دوافع نفسية بدلا من أن تكون وسيلة لتوجيه التلاميذ وتقويمهم .
إن الانزعاج في عملية الضرب لا يقتصر على الطفل وحده ، بل يتعدى ذلك للمربي إذ أنه ينزعج أيضا حين يضرب . ولو قارنا بين معلمين اثنين ، أو مشرفين اثنين أحدهما يستعمل الضرب والآخر لا يستعمله ، لوجدنا أن الأول يعود إلى بيته مساء وهو متعب الأعصاب ، بينما يعود الآخر وهو هادئ طبيعي نشيط .
قد يؤدي الضرب في الحالات التي ينفعل فيها المعلم ويهتاج إلى إحداث عاهات وأضرار جسدية ، قد تضر بمستقبل الطفل فيما بعد ، وقد يدان المعلم ، أو المشرف قانونيا من جرائها .
إن التربوي الذي يستعمل العصا يفقد استجابة التلاميذ وحبهم له ، وتصبح علاقته بهم علاقة عداء وكراهية ، بدلا من أن تكون علاقة صداقة وأخوة .. والعلاقة الطيبة بين المعلم وتلاميذه ضرورية جدا في العملية التربوية .
يلاحظ كل إنسان أن الضرب يفقد قيمته التربوية حين يعتاد الطفل عليه ويستمرئه ، مما يجعل أمر إصلاح الطفل فيما بعد صعب المنال .
إن الحالات التي يقسو فيها التربوي – سواء كان معلما أو مشرفا أو مديرا – على الطفل ويضربه ضربا مبرحا يرافقها في الأغلب تمرد الأطفال وهَرَبٌ من المنزل ، أو من المدرسة ، وقد تؤدي في حالات خاصة إلى الجنُاح.
أظهرت بعض نتائج الدراسات ، عند المقارنة بين المدارس التي يمنع فيها الضرب ، والمدارس التي يباح فيها الضرب . أن ضرب الطلاب لا يؤدي بأي حال إلى تقويمهم ، وأن العصا فقدت سيطرتها ونفوذها( معروف زريق ، 1978، 64-66).
أهـم المـراجــــــــع
آمال صادق ، وفؤاد أبو حطب : علم النفس التربوي ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، 1984م.
حسن عبد العال : التربية الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1987.
عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، الطبعة الثانية (تصوير ) ، 1987.
عبد الرحمن محمد بن خلدون : مقدمة ابن خلدون ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1996.
محمود عبد القادر قراقزة : نحو إدارة تربوية واعية ، دار الفكر اللبناني ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1987م
محمد عطية الإبراشي : الاتجاهات الحديثة في التربية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، بدون تأريخ
معروف زريق : كيف تلقي درساً ، دار الفكر ، بيروت ، 1978م.